الجمعة، 3 يوليو 2009

الحجاج ودوره في تعليم الفلسفة

الجامعة اللبنانية
كلية التربية
العمادة

المقرر: تعليم مادة الإختصاص

الحجاج ودوره في تعليم الفلسفة

الإشراف: الدكتور سمير زيدان

الإعداد: دجى بوذياب- غسان زيدان

الإختصاص: فلسفة وحضارات

دورة الكفاءة لأساتذة التعليم الثانوي
العام الدراسي 2008- 2009
الجامعة اللبنانية
كلية التربية
العمادة

الحجاج ودوره في تعليم الفلسفة

المقرر: تعليم مادة الإختصاص
إشراف: د. سمير زيدان
إعداد: دجى بوذياب - غسان زيدان
الإختصاص: تعليم الفلسفة والحضارات
الشهادة: كفاءة في التعليم الثانوي
العام الدراسي: 2008 - 2009

المحتويات
أوّلاً: المقدمة
ثانياً: تعريف الحجاج مقوّماته ومسوّغاته
ثالثاُ: أشكال القراءة والفهم التي يقتضيها الحجاج
رابعاً: بيداغوجيا الحجاج
خامساً: آليات الحجاج وأنواعه
سادساً- تقويم المحاججة: الحجاج كعملية بنائية
سابعاً: في ديداكتيك الحجاج وأهدافه وغاياته.
ثامناً: نصوص مختارة وتطبيقات
تاسعاً: خاتمة
عاشراً: لائحة المصادر والمراجع.

أوّلاً: المقدمة

إذا ما كان النص في ماهيته هو قابلية القراءة، أفلا يكون نص "جاهز" يقرأ فيه القارئ ما يعرفه فيه، مسبقاً؟ وألا يتميّز عندئذ النص الذي يملك لغته الخاصة فيصير قادراً لأن يقدّم خطاباً، ويظل بمستطاعه أن يثير السؤال تلو السؤال؟
من هنا ألا نستطيع التساؤل عن إمكانية النص الفلسفي بأن يشكّل "ببنيته" العنصر الرئيس والأكثر تأثيراً في تعليم الفلسفة وذلك لما يتضمّنه من تعابير ومصطلحات ومفاهيم وإشكاليات، تعبّر بشكل أو بآخر عن خطاب ما، يريد كاتب النص التعبير عنه؟
لعل ذاك الخطاب وحده يكون قادراً على إستحضار كل الأسئلة التي يمكن أن يطرحها قارئ الخطاب على الخطاب، فيقدّم ذاك الأخير أجوبة لا تكون نهائية، حاسمة، محددة، بل تستدعي أسئلة جديدة؛ فيكون الحجاج؛ حجاج قارئ النص مع خطاب النص.
والسؤال هنا ليس أي سؤال، إذ لا غاية نفعية مباشرة له، بل هو تجاوز لكل ما فُكّر فيه. هو سؤال يقلق القارئ والجواب أو الأجوبة المتوقعة هي أجوبته الذاتية، إكتشافاته، كما الأسئلة هي أسئلته، ولكنها أيضاً أسئلة يثيرها الخطاب نفسه.
من هنا نستطيع الحديث عن لحظة أولى للفكرة وسؤالها، وثانية لفكرة أخرى قد تكون مخالفة أو مناقضة وأسئلتها. ومن هنا أيضاً نستطيع الحديث عن لا إمكانية الحجاج دون الأفهمة والأشكلة بما هي قوام القراءة الفلسفية للخطاب؛ أيِّ خطاب. (الطابع البريدي مع دريدا).
ثانياً: تعريف الحجاج، مقوّماته ومسوّغاته:

1- الخطاب%20الإشهاري%20والقيمة%20الحجاجي1.doc faculty.ksu.edu.sa/maison/DocLib
2- حميد اعبيدة: الحجاج في الفلسفة وفي تدريسها http://membres.lycos.fr/abedjabri/n39_08abida.htm
3- قويدر عكري الحجاج الفلسفي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=83577
4- أبو بكر العزاوي: http://www.aljabriabed.net/n61_05%20azzaoui.htmHf

أ‌- مقوّمات الحجاج

يطلق البعض على العلاقة القائمة بين الضمني والمصرّح به في اللغة اسم السيمنطيقا Sémantique المندمجة، أما البعض الآخر فيسمّيها بالتداولية أو الحجاج. إلا أن الحجاج بالنسبة لميشيل مايير هو التسمية الأكثر عمومية.
في القاموس الفلسفي يحدد لالاند معنى الحجاج بتقديم عدّة معطيات تأتي على شكل تعريفات فيعتبر:
- "المحاججة أو الحجاج: سلسلة من الحجج تنتهي بشكل كلي إلى تأكيد النتيجة نفسها، كما يرى بأن الحجاج طريقة في تنظيم واستعراض الحجج أو تقديمها.
- أما الحجة: فيعتبرها بمثابة استدلال موجّه لتشريع أو دحض قضية معينة، أو تفنيدها، ويرى من ناحية أخرى أن البعض ينتهي إلى اعتبار كل حجة دليلا.
- والدليل: هو عملية توجّه التفكير العقلي بصورة يقينية ومقنعة. وبذلك يتّخذ الدليل صورة استدلال تصير فيه النتائج منسجمة مع المقدمات التي انطلقت منها. ويحيل الدليل من جهة أخرى إلى الواقع، ليأخذ من ثمة مضمونا ماديا تصبح بموجبه الوقائع والأحداث والوثائق بمثابة أدلة. وهو يتميز عن الأشكال الأخرى للاستدلال بميزة الحقيقة. إذ أن كل ما يحمل عليه يعتبر في غالب الأحيان حقيقيا.
- البرهنة: هي استنباط يوجّه لتأكيد أو إثبات نتيجة سابقة، وذلك بالاستناد إلى مقدمات معترف لها بميزة الصدق أو الحقيقة.
"إلا أن البرهنة في الفلسفة ليست هي نفسها في مجال العلم، فما يحيل إليه الاستدلال الفلسفي ليس هو مواضيع محددة تستمد منها المفاهيم بصفة مباشرة، وتنطبق عليها هذه الأخيرة انطباقا وثوقيا."
كما أن الاستدلال الفلسفي، ليس استدلالا من نمط المنطق الصوري، وليس مجرد عمليات منطقية يمكن تشغيلها باستقلال تام عن أية إحالة موضوعية.
أما معجم فولكيي فينظر الى الحجة بكونها اعتبارا موجها لإثبات أطروحة أو دحضها، وبهذا المعنى ترادف الحجة الدليل، أو الاستدلال والتبرير.
لكن ينبغي التمييز بين التبرير الفلسفي وكل أشكال إقامة الدليل في مجالات المعرفة الموضوعية بصفة خاصة.

ب- مسوّغات الحجاج:

لماذا الحجاج؟ والحجاج الفلسفي تحديداً؟
يرى شارل بيرلمانCH. Perlman، أن الحجاج يغطي حقل الخطاب بكامله، وهو يهدف الى الإقناع والاستمالة (Convaincre et persuader) وذلك كيفما كان نوع المخاطبين ومهما كانت مادة ذلك الخطاب، وبالتالي يصير الإقناع والاستمالة بمثابة ثمرة العلاقة القائمة بين الضمني والمصرح به.
فالخطاب إذاً يقول شيئاً ما حول شيء ما، مستخدماً الجملة كأداة تقوم بوظيفة إحالية، بإعتبارها أبسط وحدة للخطاب، الذي يتكلّم عن الموضوع الذي يحيل عليه في خطابه Le Referent. ذلك أنه في "إطار سياق الاستعمال اللغوي، تتجذر شروط المعنى".
أضف إلى ذلك أنه من خلال الإستقراء لوسائل البرهنة والتعليل في آثار الفلاسفة يمكن القول أن الحجاج يرتبط إرتباطا تاريخيا ومفهوميا بالخطابة.
بالتالي يصبح الحجاج في الفلسفة؛ يعني تلك الطريقة التي تسلكها في إضفاء طابع التماسك على ما تنسجه من مفاهيم تمنح للمعيوش دلالته، تلك الطريقة وظفها جيل غاستون كرانجي كمرادف للبرهنة الفلسفية، التي تكمن في الاستعمال المنظم للمفاهيم. من هنا تظهر لنا واضحة علاقة الحجاج ڊ المفهمة بما هي أساس في الخطاب الفلسفي.
أما كيف تتمظهر العلاقة بين الحجاج والأشكلة التي يطرحها الخطاب نفسه؛ فالأمر قد يكون واضحاً عندما نرى أن الحجاج وحده بحججه المنطقية، ولكن غير القاهرة، هو الكفيل بأن يمكننا من الخروج من المأزق المتمثّل في: إما قبول حقيقة صالحة موضوعيّا وكليا، أو اللجوء إلى الإيحاء والعنف لفرض آراء وقرارات صاحب الخطاب نفسه.
إن محاولات تكوين إجماع إنساني في المجال العلمي، يكون مؤسسا على وقائع أو حقائق موضوعية، قد فشلت، ربما هذا قد يكون سبباً رئيساً ليفرض الحجاج نفسه، وذلك بإنشاء وتطوير نماذج من البرهنة والتعليل لم يكترث بها المناطقة ومنظرو المعرفة لتأثّرهم بهذا الفيلسوف أو ذاك.

ثالثاُ: أشكال القراءة والفهم التي يقتضيها الحجاج:
1- حميد اعبيدة: الحجاج في الفلسفة وفي تدريسها http://www.aljabriabed.net/n39_08abida.htm
2- الدكتور محمد خرماش -أستاذ النقد الأدبي والمناهج المعاصرةجامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية الآداب والعلوم الإنسانية-فاس – المغرب
"سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر"
http://manahijnaqdia.3oloum.org/montada-f1/topic-t6.htm

عادة ما يعتقد المتعلم أن الكلمة تحمل معناها في ذاتها ولا يفطن إلى أن دلالة الكلمة تكمن أساسا في علاقاتها بما يجاورها من كلمات أخرى ومفاهيم مجسدة في كلمات واردة في النص وأخرى "منبثة" بدون تجسيد أي بدون حضور معجمي ذلك مثلا شأن مفهوم " الروح " الحاضر بدون سند معجمي في نص ليبنيتز،الفلسفي. بذلك يصبح التمييز بين المعجمي والمفهومي هو الذي يجعل من السياق منطلقا ضروريا لتحديد المفاهيم، والكلمة معزولة عن سياقها لا تمثل مفهوما.
هذا لا يعني الاستغناء عن المعاجم، إلا أن ما يوجد داخل المعنى الحرفي لجملة ما، مؤشر حجاجي يستدعي ما يضمره السياق للإيحاء بنتيجة ما (مقنعة كانت أم غير مقنعة) وبمعنى آخر إذا كانت اللغة هي الواسطة بين النص وقارئه والأساس؛ فإنه يجب التمييز بين مستوى الكلمة أو المبنى، ومستوى المعنى حيث الكلمة لا معنى لها بحد ذاتها ولا بد من وضعها في جملة تستعمل بها، حيث تصبح الجملة هي الحامل للحد الأدنى لدلالة الكلمة الكاملة.
وبلجوء الفيلسوف الى لغة المفاهيم إنما هو "يصرح، يستدل، يعرّف، يبني، يقارن، كما أنه يشير، يرمز، يلّمح، يتمثل، يتخيل، ويستعير، لغتان لتجربة وجودية فريدة. بعض من لغة العلم، وبعض من لغة الفن والأدب." وبذلك يكون يتعامل مع الحاضر ليس بشكل مباشر، بل بإنفلات من أسر قضايا عصره.

وعندما نسلم في الممارسة الفلسفية وداخل النصوص التي ينتجها الفلاسفة بأن الخطاب الُمنتج يستلزم وجود نظريات، أطروحات، أو مواقف؛ ووجود أشخاص يوجّه إليهم هذا الخطاب، ومكان وزمان يجري فيه ذلك الخطاب، فإن مكونات السياق اللغوي الذي ينتج به القول الفلسفي ينبغي إعتباره وجهة أساسية لعمل القراءة، الذي يجب أن يكتشف كنه ذلك السياق ويستنبط الجهاز الحجاجي بكل مكوناته البلاغية والاستدلالية حتى تكون تلك القراءة ذات مصداقية.
من هنا يمكن القول أن القراءة الحجاجية التي تطرح ضمنياً أسئلة إشكالية ذات مفاهيم يفترضها الخطاب نفسه ليست كأي قراءة أخرى.
ومن هنا أيضاً، تفترض الإستراتيجية الخطابية وجود بعدين، إستدلالي وحجاجي يرنو الى الدفاع عن، أو تبرير أطروحة ما. والقارئ الفلسفي هنا مجبر على الإنخراط في صلب هذه الإستراتيجية بهدف فهم الخطاب والنفاذ الى عمق بنيته الدلالية، وتفكيك رموزها بغية الوقوف على الحجج التي بنى عليها الخطاب إثباته للأطروحة.

رابعاً: بيداغوجيا الحجاج:

1- حميد اعبيدة: الحجاج في الفلسفة وفي تدريسها http://membres.lycos.fr/abedjabri/n39_08abida.htm
2- د. عز الدين الخطابي؛فَلسَفَـةُ الأَسَـاتِذَة www.qattanfoundation.org/pdf/2014_40.doc
3- عادل الكنوني adilelgannouni@yahoo.fr الحوار المتمدن - العدد: 2064 - 2007 / 10 / 10

ما هي الخطوات البيداغوجية التي يمكن ممارستها لتعليم الحجاج؟ وهل يُعد الحجاج نفسه عملاً بيداغوجياً؟
"يشكّل الحجاج الهيكل الخاص لكل البناءات الفلسفية الواردة في تاريخ الفلسفة، من هنا يأتي الاهتمام بالجانب الحجاجي في الممارسة الفلسفية، ورغم أن الأمر تحفّه عدة صعوبات فإن التعامل مع البنيات الحجاجية للنصوص الفلسفية،" وتدريب المتعلّمين على استخراج تلك البنيات، يعد أمرا بيداغوجيا لا بد من إكسابه لهم.
ولعل إرهاصات هذا الأمر تعود الى السؤال الكانطي حول إذا ما كان هناك فلسفة، أم أن جل ما يستطيعه الإنسان هو أن "يتفلسف".
ولعله أيضاً يتعلّق بما سماه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (J. Derrida) في نص شهير بعنوان "متناقضات مادة الفلسفة"، بمفارقة الانتساب إلى المؤسسة وتجاوز عتبتها وحدودها في الآن نفسه. فالفلسفة برأيه، "تتجاوز مؤسساتها، ويجب عليها أن تظل حرة في كل لحظة، وألا تطيع سوى الحقيقة وقوة السؤال أو الفكر."
أما بالمعنى الإجرائي ربما نستطيع التساؤل؛ كيف يمكن تدريب المتعلّمين على اكتشاف خصوصية الفلسفة، وتميّزها، من خلال البحث عن أهمية الحجاج الفلسفي تحديداً بوصفه ما يهمّنا في هذا العمل ؟
من هنا نستطيع القول أنه يمكن:
1- دعوة المتعلّمين إلى تحليل عينات من الحجاج كما تتجلى في نصوص لفلاسفة لم يسمّوا -بمعنى ما- كذلك إلا بسبب من وجودها والعكس صحيح. إضافة الى ذلك، ما يشكّله تاريخ الفلسفة بوصفه "قاعدة لازمة للبحث الفلسفي" بمجمل ما يطرحه إن على صعيد الموضوعات أم على صعيد المنهج.؛ بحيث يتمكنون من اكتساب القدرة على:
أ‌- التمييز بين الحجاج ( Argumentation ) والاستدلال (Démonstration ).
ب- التمييز بين الحجاج الفلسفي والحجاج غير الفلسفي (الحجاج السفسطائي، الحجاج الإيديولوجي ...).
ج- التمييز بين أطروحة فلسفية وظن أو وهم .
2- تمرين المتعلّمين على ممارسة الحجاج بدورهم عند كتابتهم للمقال الفلسفي وعلى هذا الصعيد يمكن تدريب المتعلمين على
أ‌- تدريب المتعلّمين على ممارسة الحجاج شفهياً من خلال النقاشات التي تحصل خلال العملية التعليمية- التعلّمية.
ب- تدريب المتعلّمين على تحرير فقرة حجاجية تتعلق بمشكل فلسفي محدد.

يقتضي اكتساب المتعلمين لهذه المهارة القيام بجملة من التدريبات والمهام المنهجية الفرعية والمتكاملة. من هنا نستطيع البحث في آليات الحجاج التي تمكننا من القيام بالخطوات الآنفة الذكر.

خامساً: آليات الحجاج وأنواعه
1- نظرية الحجاج http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%AC
2- حميد اعبيدة: الحجاج في الفلسفة وفي تدريسها http://membres.lycos.fr/abedjabri/n39_08abida.htm
3- أدوات فعل التفلسف http://philomaghreb.awardspace.com/viewpage.php?page_id=51
4- حول مفهوم الحجاج في الفلسفة http://minerve.org/content/view/121/141/index.php?option=com_content&task=view&id=103&Itemid=40&limit=1&limitstart=4

لا شك أن للفلسفة وتعليمها أهداف ترنو الى الوصول اليها، ولعل هذه الأهداف التي تعتبر نواتية "Les objectifs noyaux de la philosophie، تفترض أهمية كبرى للحجاج لذلك هو يحتل مكانة أساسية ضمن تلك الأهداف إلى جانب الأشكلة والمفهمة (Problématisation, conceptualisation, argumentation) "

يلجأ الفلاسفة في تناولهم للمشاكل الفلسفية إلى أشكال مختلفة من الحجاج في دعم أطروحاتهم والدفاع عنها، وفي دحضهم لأطروحة فلسفية أو غير فلسفية تتعلّق بالمشكل الذي يفكرون فيه.
فها هو أرسطو مثلاً يتناول الكثير من الظواهر المرتبطة بالممارسة الحجاجية بدرجة عالية من الدقة والشمول، ويظهر ذلك واضحا في الأجزاء المتعلقة بالتدليل اللاصوري من مدونته المنطقية الأورغانون: كتاب الجدل، كتاب الخطابة، كتاب السفسطة، كتاب الشعر.
وبالرغم من أن اهتمام الباحثين أنصرف على ما يبدو خلال فترة لا بأس بها من الزمن (القرن الثاني الى حدود عصر النهضة) إلى دراسة الجوانب البلاغية والأسلوبية وأهملوا بشكل واضح الفعالية الحجاجية الاستدلالية، ربما بسبب من أن الاعتقاد الذي كان سائدا في "أن النموذج الأمثل للاستدلال هو البرهان القائم على مبادئ المنطق وأسس الرياضيات، وليس الحجاج المتلبس بتقنيات اللغة وطرقها التعبيرية الغامضة والملتبسة."

1- آليات الحجاج:
لا بد للحجاج من آليات يقوم عليها والتي بها يصبح أنواعاً. من هذه الآليات:

أ‌- الإخبار؛ وقد يكون كاذباً أو صادقاً.
ب‌- التفسير؛ أي توضيح أبعاد ودلالات اللفظ مما يجعل المتكلم قادرا على الشرح والتوضيح لخصمه او من يناظره لغرض الإقناع وأهم أساليبه التعريف، الوصف، المقارنة، والسرد.
ج‌- الاقناع؛ وبواسطته تستخدم حجج وبراهين للدلالة على صحة الموقف المُدافع عنه. اعتمادا على أدلة ملموسة من الشواهد أو أدلة تعتمد على مبادئ منطقية.
ومن وسائل الاقناع وسائل لغوية، ووسائل منطقية دلالية:
1- الوسائل اللغوية و من اهمها التوكيد والشرط والنفي والتكرار اللفظي والمعنوي إلى آخره.
2- الوسائل المنطقية :كالقياس المنطقي الذي يعتبر بنية اساسية في الحجاج ووظيفته الانتقال مما هو مسلم إلى ما هو مشكل. ومن عناصره المقولات الفلسفية او العلمية والحجج الواقعية.

2- أنواع الحجاج:

أ‌- الحجاج بالمماثلة: "ويقصد بالمماثلة منهجا إستقرائيّا، والمماثلة هي مبدأ إستكشافي خصب يسمح بالتعرف على التماثل أو التشابه القائم في مستوى علاقة في إزاحتها الغشاء عن علاقة غير متوقعة بين وقائع مختلفة في ما بينها ومن شأن هذا الأسلوب في الحجاج أن يؤثّر أكثر في نفس المتعلّم بما يعتمده من لجوء إلى صور لها صلة بالمعيش المباشر.
ب‌- الحجاج بالخلف: تقع البرهنة على القضية من خلال بيان التبعات المترتبة عن افتراض القضية النقيضة للقضية الّتي يراد البرهنة عليها.
ت‌- الحجاج بالدحض: وهو إجراء نقدي يقصد به بيان أن استدلال الخصم يخرق قواعد اللسان أو المنطق رغم أنه يبدو في الظاهر صالحا. ويتخذ الدحض أشكالا معيّنة :

- دحض الأطروحة بإبراز تناقضها الدّاخلي. وبيان طابعها العبثي أي تعارضها مع مقتضيات العقل المنطقيّة.
- دحض أطروحة، دحضا خارجيا بتعديل الأطروحة الأصليّة، بحيث تدمج ضمن أطروحة أشمل منها.

سادساً- تقويم المحاججة: الحجاج كعملية بنائية
1- حول مفهوم الحجاج في الفلسفة
http://minerve.org/content/view/121/141/index.php?option=com_content&task=view&id=103&Itemid=40&limit=1&limitstart=4

طالما أن الحجاج قائم، بالتالي فإن مجاله هو مجال الإحتمال وليس الحقائق البديهية المطلقة. وإذا كان من الممكن إعتبار أن لا تفكير فلسفي بدون تناول مفهومي، وهذا الإخير يستدعي تناولاً إشكالياً، فإنه يصبح من ضرورة القول بأن لا تفكير فلسفي بدون عرض حجاجي، ذلك أن المضمون لا قيمة له داخل النسق الفلسفي من دون برهان الذي هو في النهاية المقّوم الأساسي للحجاج. بوصفه يستدعي السؤال الإشكالي الذي بدوره يمهّد لإجابة إحتمالية تستدعي سؤالاً جديداً، يكون بمثابة مقوض للسؤال السابق، أو عادماً، بوصف الأول خطوة سابقة للعملية الحجاجية والممهدة لخطوة لاحقة في عملية بنائية تفاعلية تصاعدية تنتهي بإتخاذ موقف يهدف الإقناع . كالجدل الهيغلي مثلاً.
ومن أجل التمكن من إبراز البنية الحجاجية للخطاب وتحقيق الإنخراط فيه، الذي قد يمكننا من تعلّم الحجاج بطريقة ما يمكّن:
1- طرح الأسئلة الممهدة للحجاج كمثل:
ـ ما هي مكونات البنية المنطقية لهذا النص؟
ـ ما هو الأسلوب المهيمن عليه: البرهاني أم البلاغي؟
2- محاولة تحديد النص داخل نمط حجاجي خاص بالجواب عن السؤال التالي:
إلى أي نمط حجاجي ينتمي هذا النص، هل إلى النمط الجدلي، أم النمط البرهاني، أم النمط التكويني، أم النمط الأمري….؟
3- تحديد الجهاز التلفظي في النص بالإجابة عن سؤالين: من يتكلم ؟ qui parle وإلى من يتكلم؟
à qui، وبعد ذلك تحديد وظائف هذا الجهاز التلفظي.
4- تحديد البنية المنطقية والخطابية للنص وذلك بالوقوف على الروابط المنطقية (ثم – فـ – و – إذ،أن – لأن – إذا – بناء عليه – والحالة هذه – لو أن – لو – إن كان – إن – أم – إلا – هناك – هنالك – مثلما) والروابط الحجاجية (حتى– لا سيما–بل–لكن).
5- تحديد أهداف المحاججة بالوقوف على نظام الحجاج، وعلى الأطروحة المعبر عنها وعلى موجهاته (هل تتوجه المحاججة إلى العقل؟ في هذه الحالة الجهاز التلفظي يتحول من ضمير الأنا إلى ضمير الجمع (Le Je devient Nous)؛ أو تتوجه إلى القلب أو الجانب الخيالي؟

سابعاً: في ديداكتيك الحجاج وأهدافه وغاياته.
1-حول مفهوم الحجاج في الفلسفة
http://minerve.org/content/view/121/141/index.php?option=com_content&task=view&id=103&Itemid=40&limit=1&limitstart=4

للتفكير الفلسفي أدوات و"تعتبر القدرة على المحاججة Argumentation أداة هامة" منها "إلى جانب القدرة على المفهمة Conceptualisation، والقدرة على الأشكلة Problématisation. إنها اللحظة التي يصل ويبلغ فيها فعل التفلسف أبعد مداه وهذا يعني أهمية المحاججة كهدف نواتي مركزي في تعلّم التفلسف."

ولعل السؤال الأبرز الذي نستطيع صياغته هنا أنه؛ إذا ما كان ليس من نموذج واحد للحجاج الفلسفي وذلك ما نتبينه من خلال إنجازات الفلاسفة ؛ فهل يمكن لكل معلّم أن يبني مفهومه الخاص للحجاج الفلسفي بناء على المطلوب من المتعلّمين تعلّمه في ما يخص هذا الحجاج؟ وكيف يكون ذلك؟ أو: ما هي موجهات الحجاج الفلسفي واستراتيجيته؟ وكيف نساعد القراء/المتعلّمين على اكتشافه؟

"في هذا الإطار تقول مجموعة البحث الفرنسية: توزي وكاري وبونوا؛ ما معناه أنه يمكن تقديم الحد الأدنى الذي يجب أن تكون عليه الحجة على مستوى المعايير الصورية للحجاج وذلك ڊ:
1- ألا تناقض الحجة نفسها.
2- أن تكون الحجة منسجمة مع الأطروحة المدافع عنها.
3- أن تكون الحجة منسجمة مع حجج أخرى تدافع عن الأطروحة نفسها.

وفي هذا الإطار أيضاً يفترض وعي العوائق التي من الممكن أن تعترض المتعلّمين، لهذا ينبغي العمل على:

1- "إخراج المتعلّم من وجهة نظره الخاصة بإزاحة خصوصيته الأمبريقية في اتجاه العقل الكوني".
2- ."جعل هذا المتعلّم يعي أننا في الحجاج الفلسفي ننخرط في فضاء محبة الحكمة"
3- "مساعدة ذلك المتعلّم على إدراك وضع المثال في الفلسفة.
"لقد كان سقراط Socrate موضوع تفكير العديد من الفلاسفة، لكن سقراط في تفكير هؤلاء الفلاسفة ليس هو ما يدخل في تصور الإنسان بالرغم من كونه إنسانا، بل يمثل تجربة فلسفية فريدة داخل تاريخ الفلسفة. وما كان يهم أولئك الفلاسفة هو سقراط الفيلسوف الذي ارتبط في تجربة التفلسف بالموت، وهذا ما لا ينطبق على كل إنسان. سقراط ليس مجرد مثال داخل خطابات هؤلاء بل هو المثال بامتياز". ليس المثال إذن هو الواقع بل هو جزء من سلسلة برهانية داخل القول الفلسفي".
4- "مساعدة المتعلّم كذلك على إدراك كون:
ـ التجربة الشخصية لا تأخذ معناها في الفلسفة إلا في شروط معينة.
ـ الإحالات والاستشهادات مثال لفكر فعلي.

لكن هل يكفي ذلك لجعل المتعلّم يكتشف الحجاج الفلسفي؟
تقترح مجموعة البحث الفرنسية بعض ما يقتضي عمله كمثل:
- إقامة الحجة فلسفيا: أي جعل المتعلّم يكتشف من خلال التناقضات بين الحجج الفلسفية والحجج غير الفلسفية وذلك بتوضيح خصائص مفهوم الحجاج الفلسفي- إجرائيا؛ ففي الحجاج الفلسفي –ترى مجموعة البحث الفرنسية- إنه من المفيد التفريق بين عمليتين مختلفتين:
أ ـ بناء لحظة من الحجاج في مرحلة معينة من التفكير
ب ـ القدرة على إدراك التمفصلات المنطقية والبنيات التي تعبر عنها: علة/تأثير، مبدأ/نتيجة.
ج- ضرورة الوعي بأهمية القياس، باعتباره يؤدي إلى صرامة الفكر: إذا كان… فإنه، وباعتباره يبين الضرورة في الاستنتاج.
د- إقامة الحجة على الشك أو الشك في إثباتات ما بالانطلاق من رأي وإقامة الحجة على رفضه كأطروحة بهدف وضعه موضع سؤال.
ھ - الاشتغال على الحجج كمعارضة حجة بحجة من نفس الطبيعة أو من طبيعة مخالفة، كمعارضة حجة تقنية بحجة من طبيعة أخلاقية.

إن هدف الحجاج الفلسفي –إضافة إلى ما ذكر- هو المساهمة في تأسيس فكر مستقل انطلاقا من الوعي بكون:
أ‌- الإحالة أو الاستشهاد تبقى توضيحا وليست أبدا حجة.
ب‌- السيرورة الحوارية أساسية لأن البنية الحجاجية قائمة على حجج متناقضة.

من هنا وبما أن المحاججة أصبحت تعني إنتاج مجموعة من الحجج المرتبة بطريقة ما بقصد إثبات أو تفنيد قضية من القضايا، واستعمال كل وسائل الإقناع باستثناء العنف والإكراه. فإن الحجاج يهدف الى تأسيس موقف ما.
ومن هنا فهو يتوجه إلى متعلّم، إنه" يبحث دائما لأخذ قبول وموافقة ذلك المتعلّم. بغية ترك أثر فيه، وبهدف جعل العقول تنخرط في الأطروحة".
هذا على صعيد الحجاج في الأطروحة نفسها. أما تعلّم الحجاج فهو بالطبع يهدف الى المساهمة في تأسيس فكر مستقل، ذلك أن العلاقة التي تربط الخطاب الفلسفي بقارئه؛ إنما هي علاقة تفاعل.
تلك العلاقة تفصل بين فعليّ القراءة والكتابة بوصفهما تيارين منعزلين، فزمن كتابة الخطاب سابق، أما القراءة فهي آنية. والكاتب لا يجيب على أسئلة القارئ الآنية، لأن هذا الأخير يظل غائباً دائماً عن فعل الكتابة، كما الكاتب غائب دائماً عن فعل القراءة، مما يجعل القارئ يعيد الخطاب الى التواصل الحي معه، وهذا التواصل لن يكون كلّياً حقيقياً، إن لم يكن عبر الحجاج لأن القبول بالأطروحة بعيداً عنه ليس سوى قبولاً سلبياً.، والقارئ هنا لن يكون سوى متلقّ سلبي.لن يقدّم له الخطاب شيئاً على صعيد فعل التفكير نفسه
(أفلاطون – فايدروس).
" إننا لن نصل إلى هذه النّتيجة ما لم نبذل جهدا كثيرا، ومن الحكمة ألاّ نقوم بهذا الجهد بهدف إعداد أقوال مقصدها البشر بل لنكون قادرين على كلام تستحسنه الآلهة وأعمال تروق لها".
نيتشه : جنيالوجيا الأخلاق: "إسألوا أقدم الفلسفات وأحدثها فلن تجدوا واحدة منها تعي أن إرادة الحقيقة نفسها في حاجة إلى التعليل. هذا دليل على أن هناك ثغرة في كل الفلسفات ".




ثامناً: نصوص مختارة وتطبيقات
1- حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزّة والجلال: حققه وقدّم له : الدكتور جميل صليبا، والدكتور كامل عياد، دار الأندلس – بيروت الطبعة العاشرة 1988.
2- http://www.edunet.tn/ressources/resdisc/philo/philoelev/Livre/Lettres/philo/..%5C..%5C..%5CMethode%5Cprat%5CInitia%5CArg%5Ctache5.htm
3- http://www.maaber.org/issue_january05/perenial_ethics1.htm
4- بنيامين لي ووف: اللغة والذهن والواقع ؛ترجمة وداد الحاج حسن، فلسفة؛ دورية تعنى بالقول الفلسفي بالعربية تصدر عن جمعية تعاونية اللقاء الفلسفي. خريف 2003 العدد الأول السنة الأولى
5- ابن رشد: كتاب فصل المقال؛ دار المشرق بيروت، الطبعة السادسة. 1991

يعد إستخراج البنية الحجاجية، وضبطها والإشتغال بها كأداة ووسيلة في الكتابات الفلسفية أو التعامل معها، وإكتشاف الحجج وبيان نوعها وتفحّصها وتقويمها، كفاية منهجية تقتضي التدريب والتمرين، إذ أنه لا يمكن الحديث عن أي "تفلسف" أو إشتغال في الفلسفة بدون تملّكها.
أ‌- نص للإمام أبو حامد الغزالي : المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزّة والجلال ص 83:

"ثم فتّشت في علومي فوجدت نفسي عاطلاً عن علم موصوف بهذه الصفة..... لا مطمع من إقتباس المشكلات من الجليات .... فلا بد من إحكامها أولاً لأتيقن.. أم هو أمان محقق لا غدر فيه ولا غائلة له؟ فأقبلت بجد بليغ أتأمل في المحسوسات... فانتهى بي طول التشكك الى أن لم تسمح لي نفسي بتسليم الأمان ... وأخذت تتسع للشك... حاولت لذلك أن أجد علاجاً فلم يتيسّر، إذ لم يكن دفعه إلا بالدليل، ولم يكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية. فإذا لم تكن مسلّمة لم يمكن ترتيب الدليل.

قد اعتمد الإمام الغزالي في حجاجه على منهج الشك، فكان يحلل ويفحص ويدقق في كل ما يقّدم له ليسأل بعدها عن مدى اليقين فيه، ولينتقل الى شك جديد. ليصل الى أن الأمر دائماً يحتاج الى دليل.

ب‌- نص ل: ابن رشد: فصل المقال ص 28:

"وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها، وكان الإعتبار ليس أكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس بالقياس. فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي.....وإذا كان الشرع قد حثّ على معرفة الله تعالى (وسائر) موجوداته بالبرهان، وكان من الأفضل- أو الآمر الضروري- لمن أراد أن يعلم الله تبارك وتعالى، وسائر الموجودات بالبرهان، أن يتقدّم أولاً فيعلم أنواع البراهين وشروطها، وبما يخالف القياس البرهاني، القياس الجدلي، والقياس الخطابي، والقياس المغالطي".

يمكن أن يتضمن النص الفلسفي الواحد عدة أساليب حجاجيّة متساندة ذلك ما نستطيع ملاحظته في نص ابن رشد؛
لحظة أولى : اعتمد ابن رشد على القياس المنطقي:
مقدمة كبرى: الشرع أوجب النظر العقلي في الموجودات
مقدمة صغرى: النظر العقلي يعني إستنباط المجهول من المعلوم
النتيجة: الشرع أوجب معرفة الموجودات بإستنباط المجهول من المعلوم.
ملاحظة: هذه النتيجة ليست معلنة بصورة صريحة ولكنها متضمنة في هذا القياس.

لحظة ثانية: عاد ابن رشد ليكمل حجاجه من النتيجة التي وصل اليها.
إذا كان الشرع حثّ على النظر في الموجودات بالبرهان العقلي.
فمن أراد أن يعلم فعليه معرفة أنواع البراهين وشروطها، ويميّز فيما بينها.
هنا عتماد البرهان الشرطي : إذا ... لا بد.

لحظة ثالثة: البرهان بالخلف، لكن هنا بما يخالف المعنى المفهومي.
من أراد .. عليه أن يعلم أنواع البراهين... بما يخالف القياس البرهاني القياس الجدلي ....


- الحجاج بالمماثلة:
- نص لهيدغر: لماذا نحبُّ البَقاء في الرِّيف؟

"عندما تثير عاصفةٌ ثلجية عنيفة في ليالي الشتاء العميقة هبَّاتِها حول الكوخ، فتغطِّي كلَّ شيء وتخفيه، عندئذٍ يحين الزمن الكبير للفلسفة؛ وعندئذٍ يجب على تساؤل الفلسفة أن يصبح بسيطًا وأساسيًّا. ثم إن تكوُّن كلِّ فكرة لا يمكن إلا أن يكون قاسيًا وحاسمًا، ويشبه الجهد الذي تكتسبه قوةُ الكلمات مقاومةَ أشجار الصنوبر في انتصابها ضد العاصفة."

مماثلة ، "تكّون كل فكرة... القساوة... قوة الكلمات..." ڊ "مقاومة أشجار الصنوبر في مواجهة العاصفة".

- نص ل : بنيامين لي ووف ، ترجمة: وداد الحاج حسن

"... يجب أن نكتشف المزيد حول اللغة! فلغاية الآن نعرف ما يكفي عنها لكي ندرك أنها ليست ما تعتقده الغالبية العظمى من الناس، سواء كانوا علميين أو عاديين. فواقعة أننا نتكلّم تقريباً من دون بذل جهد، ومن دون أن نعي الآلية المعقّدة جدّاً التي نستخدمها، تخلق وهماً. نعتقد أننا نعرف كيف يتم عملها، وأنه لا يوجد غموض؛ لدينا كل الأجوبة.
واحسرتاه، أي أجوبة خاطئة! إنها مشابهة للطريقة التي تعطي فيها إنطباعات الإنسان الحسيّة، المعصومة عن الخطأ، صورة عن الكون بسيطة، ومحسوسة، ومرضية لكنها أبعد ما تكون عن الحقيقة."

لحظة أولى: تعديل الأطروحة المقابلة ...
التكلّم من غير بذل جهد + عدم وعي الآلية الى أي مدى يؤدي الى الوهم؟

لحظة ثانية : دحض الأطروحة المقابلة دحضا داخليا من خلال بيان تهافتها.
نعتقد أننا نعرف ... وأنه لا يوجد غموض واحسرتاه...

لحظة ثالثة: المماثلة
إنها مشابهة للطريقةالتي تعطي فيها الإنطباعات الحسيّة .... صورة عن الكون....

- الحجاج بالخلف:
- نص لأبيقور: رسالة الى مينيسي

" عود نفسك على فكرة أن الموت هي لا شيء بالنسبة إلينا. إذ أن كل خير وكل شر يكمن في الإحساس ، والحال أن الموت إلغاء كلّي لهذا الأخير.
إن هذه المعرفة المؤكدة بأن الموت لا شيء بالنسبة إلينا ينتج عنها تثمين أفضل للمسرات الّتي تمنحها إيانا الحياة الفانية، لأنها لا تضيف إليها ديمومة لا نهائيّة وإنما تنزع عنا في المقابل الرغبة في الخلود. وبالفعل فإنّه لا شيء يثير الرعب في الحياة بالنسبة إلى من فهم فعلا بأن لا شيء في اللا حياة يدعو إلى الرعب .
- هكذا علينا أن نعتبر أحمق من يقول إنّنا نخشى الموت ، لا لأنها تكربنا عندما تحل بنا وإنما لتألّمنا بعد من فكرة كونها آتية يوما ما إذ لو أن أمرا لا يسبّب لنا أي اضطراب بحضوره فإن القلق المقترن بانتظارنا له يغدو دونما أساس.
- وهكذا فمن بين الشرور الّتي ترتعد لها فرائصنا يكون أعظمها شأنا هو لا شيء بالنسبة إلينا، إذ طالما نحن على قيد الحياة فالموت ليس هنا، وعندما يكون الموت نكف تماما عن أن نكون ".

اللحظة الأولى : القياس
- قضية كبرى: أن كل خير وكلّ شر يكمن في الإحساس.
- قضية صغرى : والحال أن الموت إلغاء كلي للإحساس.
- نتيجة: إذن لا خير و لا شر في الموت.

ملاحظة: هذه النتيجة ليست معلنة بصورة صريحة ولكنها متضمنة في هذا القياس .

اللحظة الثانية : الاستقراء
- ما يزعجنا في الحياة هو الموت
- إذا لم نعد نخشى الموت.
- فلاشيء إذن يزعجنا في الحياة.

اللحظة الثالثة : يعتمد برهنة دحضية غير مباشرة قائمة على بيان الطابع العبثي للأطروحة المقابلة.
- أن الموت يزعجنا بفعل انتظارنا له .
- والحال أن الموت لا يسبب لنا أي ضرر بحضوره .
- إذن خوفنا منه لا معنى له .

اللحظة الرابعة وأخيرة يعتمد الكاتب برهنة شرطية منفصلة وهذا النوع من الاستدلال قابل لأن يرد إلى قياس:

- نخاف من الموت : أ - إما أن نكون عندها على قيد الحياة.
ب - وإما أن نكون ميتين .

أ‌) فإذا كنا على قيد الحياة : فلا موت ولا داعي للخوف .
ب‌) وإذا كنا ميتين فلا إحساس ولا داعي كذلك للخوف .

في كلتا الحالتين سواء كنا أحياء أو أمواتا لا معنى للخوف من الموت .

- إستخدام المثال في الحجاج:

عادة ما تستخدم النصوص الفلسفية المثال كأداة لتجسيد فكرة نظريّة غير أن الفيلسوف قد يلجأ إلى المثال لتحقيق أغراض أخرى. وهو ما يخول لنا الحديث عن تعدد وظائف المثال وتنوعها في الحجاج الفلسفي. لعله يمكن تلخيص دور المثال في تأكيد أو إعطاء المصداقية لإثبات ما. عن طريق الإستناد الى:
ـ البنية أو الشهادة: Témoignage أي أقوال أولئك الذين عايشوا الحدث أو عاينوه.
ـ الأحداث: Les faits أدلة ملموسة لا تقبل الجدل.
ـ المرجع: La référence المؤلف وشهرة كاتب ما، تعطي ثقلا للاستدلال.
ـ المعطيات العددية: Les données chiffrées استطلاع النسبة المئوية، الإحصائيات التي تعطي الصلاحية للأحداث.

- اعتماد المثال لتجسيد فكرة نظريُة:
فصل المقال، ص 34

"......... وليس يجب فيما كان نافعاً بطباعه وذاته أن يترك........ بل نقول أن مَثَل من منع النظر في كتب الحكمة، مَن هو أهل لها، من أجل أن قوماً من أراذل الناس قد يُظن بهم أنهم ضلّوا من قبل نظرهم فيها، مَثَل من منع العطشان شرب الماء البارد العذب حتى مات من العطش، لأن قوماً شرقوا به فماتوا. فإن الموت عن الماء بالشرق أمر عارض، وعن العطش (أمر) ذاتي وضروري."

- اعتماد المثال كقاعدة للإستدلال الاستقرائي:

- نص ل : بنيامين لي ووف ، ترجمة: وداد الحاج حسن

".........ولكن في علم الألسانيات، تفرض وقائع الميدان اللغوي بالقوة التعرّف الى السطوح المتسلسلة، بحيث يعطى كل منها، بصراحة، بنسق تنميط مُشاهَد. ويبدو الأمر كما لو أننا، عندما نظرنا الى حائط مغطّى بزخرفة شجرية دقيقة لتصميم مزركش، وجدنا أن هذه الزخرفة التشجيرية تخدم كخلفية (كأساس) لنمط أوضح، ومع ذلك دقيق، من أزهار صغيرة جدّاً، وأنه عندما أصبحنا واعين لهذا المنفسح الزهري رأينا أعداداً وافرة من الثغرات الموجودة فيه قد جُعلَت نمطاً آخر شبيهاً بزخرفة لولبية، وأن مجموعات من الزخرفات شكّلت أحرفاً، وأن الأحرف إذا اتبعت تسلسلاً صحيحاً صنعت كلمات، والكلمات تراصفت في أعمدة تتضمن قوائم وتصنيفات لكيانات. وهكذا في تنميط متقاطع مستمر الى أن وجدنا أن هذا الحائط- هو كتاب عظيم في الحكمة."

- نص لديكارت : "Meditations métaphysiques"

".... لنبدأ بالأشياء العادية التي نعتقد أننا نعرفها بأحاسيسنا، فنراها ونلمسها ونشم رائحتها، نضرب مثلً قطعة شمع طازجة مأخوذة الآن من خلّية نحل؛ فما زالت تحمل خصائصها من رائحة وشكل وحجم وملمس وسائر ما يميّز أي جسم.
وإذ بنا نقربها من النار تفوح رائحتها، تتلاشى، يتغيّر لونها، يستحيل شكلها، يزداد حجمها، تصبح سائلة، تسخن ويزول صدى النقر عليها، فهل ما زالت قطعة الشمع موجودة؟ لا أحد ينكر ذلك، فإن كل ما عرفته عنها بحواسي قد إنتهى: طعمها، لونها رائحتها، ملمسها، وما يحدث من النقر عليها من صدى؛ إلا أنها ما زالت موجودة؟ فإنني الآن أدرك بعقلي ما استقرّ عليه وضع قطعة الشمع، فكل ما أدركته الحواس فيها زال، فهي الآن في مفهوم العقل امتداد، على شكل ما مستدير، وقد كان من الممكن أن يكون مربعاً أو غير ذلك؛ ويتصور الخيال في هذا الوضع عديداً غير محدد من الأشكال، لكن وراء كل هذه الإشكال التي يتصورها الخيال حقيقة واحدة أن قطعة الشمع بحكم العقل هي امتداد..."


هنا قد يكون من الجدير القول أن مبحث الحجاج يستحق أكثر مما ورد سابقاً إذ أن هناك أنواع كثيرة منه قد تختلف بالتسمية بين مرجع وآخر، وإنما بالمضمون قد تتشابه كمثل:

1- الحجاج بالسلطة : L’argument d'autorité يقوم واضع الحجاج باستغلال نصوص، أو أقوال للاستشهاد، مأخوذة من كتب، أو لكتاب أو مختصين ذوي شهرة أو صيت كبير. إنه يلجأ إذن إلى سلطة علمية أو أخلاقية أو دينية أو ما إلى ذلك.
2- الحجاج بالقيم :L’argument par les valeurs يقوم واضع الحجاج باستحضار قيم تتلاءم مع ما هو جميل أو خير بالنسبة لمجتمع معين: كالحق والعدالة والحرية.
3- الحجاج عبر أنماط البرهان : Les modes de raisonnement والبرهان هنا وبشكل عام يعني مجموعة من الحجج توضع لإقناع شخص ما، ولإثبات أو إبراز شيء ما، وهكذا فهو يبني سلسلة أو متوالية من القضايا المرتبطة فيما بينها، والتي تنتهي إلى نتيجة.
ولعل من أهم الكتب التي اعتمدت الحجاج بشكل جد واضح كتاب تهافت الفلاسفة للإمام أبو حامد الغزالي، وكتاب تهافت التهافت لأبي الوليد ابن رشد.




تاسعاً: خاتمة

لا شك أن القراءة الفلسفية لأطروحة ما، لا تكتفي بما يقدّم، لا إقراراً ولا جزماً، بل أنها تستدعي أسئلة إشكالية، لا يتوقّف البحث عن أجوبة لها، وهذه الأخيرة لا تنفك تطرح إشكاليات جديدة. وبهذا المعنى يبقى الحجاج قائماً طالما إمكانية الخطاب قائمة.
من هنا يمكن إعتبار الفيلسوف الحق، ذاك الذي يقدم أطروحته بكيفية تجعله يجيب مسبقاً على كل الاعتراضات "الممكنة" فيتيح الخطاب لقارئه الوصول الى أجوبة لكل ما يتبادر لذهنه من نقد أثناء قراءته.
كما يتيح له أيضاً طرح وجهات نظر أخرى. ذاك أن الفيلسوف هو الّذي لا يكتفي بالإقرار والجزم هو أيضاً، بل "يعلل مواقفه بالإجابة عن الانتقادات والاعتراضات."
وهذا الضرب من التفكير ليس استدلالا ولا تحقيقا، بل هو تعليل ودحض، مع العلم أنّ الفيلسوف يقبل إمكانية دحض الدحض من زاوية نظر أخرى ولاعتبارات طارئة. فتصبح الفلسفة من هذا المنظار ليس حواراً لا ينقطع، بل حجاجاً بنّاءً للفكرة والفكر معاً.

عاشراً: المصادر والمراجع:

- أولاً: كتب ومجلاّت:
1- حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزّة والجلال: حققه وقدّم له : الدكتور جميل صليبا، والدكتور كامل عياد، دار الأندلس – بيروت الطبعة العاشرة 1988.
2- ابن رشد: كتاب فصل المقال؛ دار المشرق بيروت، الطبعة السادسة. 1991
3- بنيامين لي ووف: اللغة والذهن والواقع ؛ ترجمة وداد الحاج حسن، فلسفة؛ دورية تعنى بالقول الفلسفي بالعربية تصدر عن جمعية تعاونية اللقاء الفلسفي. خريف 2003 العدد الأول السنة الأولى.

- ثانياً: مواقع وروابط إلكترونية:
1- حميد اعبيدة: الحجاج في الفلسفة وفي تدريسها
http://membres.lycos.fr/abedjabri/n39_08abida.htm
http://www.aljabriabed.net/n39_08abida.htm
2- قويدر عكري الحجاج الفلسفي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=83577
3- أبو بكر العزاوي: http://www.aljabriabed.net/n61_05%20azzaoui.htmHf
4- الدكتور محمد خرماش -أستاذ النقد الأدبي والمناهج المعاصرة جامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية الآداب والعلوم الإنسانية-فاس – المغرب
"سلطة المرجع في مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر"
http://manahijnaqdia.3oloum.org/montada-f1/topic-t6.htm
5- د. عز الدين الخطابي؛فَلسَفَـةُ الأَسَـاتِذَة www.qattanfoundation.org/pdf/2014_40.doc
6- عادل الكنوني adilelgannouni@yahoo.fr الحوار المتمدن - العدد: 2064 - 2007 / 10 / 10
7- الخطاب%20الإشهاري%20والقيمة%20الحجاجي1.doc faculty.ksu.edu.sa/maison/DocLib
8- نظرية الحجاج http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%AC
9- أدوات فعل التفلسف http://philomaghreb.awardspace.com/viewpage.php?page_id=51
10-حول مفهوم الحجاج في الفلسفة http://minerve.org/content/view/121/141/index.php?option=com_content&task=view&id=103&Itemid=40&limit=1&limitstart=4
11-http://www.edunet.tn/ressources/resdisc/philo/philoelev/Livre/Lettres/philo/..%5C..%5C..%5CMethode%5Cprat%5CInitia%5CArg%5Ctache5.htm
12-http://www.maaber.org/issue_january05/perenial_ethics1.htm

ليست هناك تعليقات: